فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنَا يَا إبراهيم (62)}.
قوله: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ}: في أنت وجهان، أحدهما: أنه فاعلٌ بفعلٍ مقدرٍ يُفَسِّرُه الظاهرُ بعدَه. والتقدير: أفعلتَ هذا بآلهتِنا، فلمَا حُذِفَ الفعلُ انفصَلَ الضميرُ. والثاني: أنه مبتدأٌ، والخبرُ بعده الجملةُ. والفرقُ بين الوجهين من حيثُ اللفظُ واضحٌ: فإنَّ الجملةَ مِنْ قوله فَعَلْتَ الملفوظِ بها على الأول لا محلَّ لها لأنها مُفَسّرةٌ، ومحلُّها الرفعُ على الثاني، ومن حيث المعنى: إن الاستفهامَ إذا دَخَلَ على الفعلِ أَشْعَرَ بأن الشَّكَّ إنما تعلَّق به: هل وقع أم لا؟ من غيرِ شكٍ في فاعلِه. وإذا دخل على الاسم وقع الشكُّ فيه: هل هو الفاعلُ أم غيرُه، والفعل غيرُ مشكوكٍ في وقوعه، بل هو واقعٌ فقط. فإذا قلت: أقام زيدٌ؟ كان شكُّك في قيامِه. وإذا قلتَ: أزيدٌ قام وجعلتَه مبتدًا كان شُكَّكَ في صدورِ الفعل منه أم من عمرٍو. والوجه الأول هو المختارُ عند النحاةِ لأنَّ الفعلَ تقدَّم ما يطلبُه وهو أداةُ الاستفهام.
{قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63)}.
قوله: {بَلْ فَعَلَهُ}: هذا الإِضرابُ عن جملةٍ محذوفةٍ تقديرُه: لم أفعَلْه، إنما الفاعلُ حقيقةً اللهُ تعالى، بل فعله. وإسناد الفعلِ إلى {كبيرهم} مِنْ أبلغِ المعاريض.
قوله: {هذا} فيه ستةٌ أوجه، أحدُها: أن يكونَ نعتًا لـ {كبيرُهم}، الثاني: أن يكونَ بدلًا من {كبيرُهم}. الثالث: أن يكونَ خبرًا لـ {كبيرهم} على أنَّ الكلامَ يَتِمُّ عند قوله: {بَلْ فَعَلَهُ}، وفاعل الفعلِ محذوفٌ، كذا نقله أبو البقاء، وقال: وهذا بعيدٌ لأنَّ حَذْفَ الفاعلِ لا يَسُوغ، قلت: وهذا القولُ يعزى للكسائي، وحينئذٍ لا يَحْسُن الردُّ عليه بحذفِ الفاعلِ فإنه يُجيز ذلك ويلتزمُه، ويجعلُ التقديرَ: بل فعله مَنْ فعله. ويجوزُ أَنْ يكونَ أراد بالحذفِ الإِضمارَ لأنه لَمَا لم يُذكر الفاعلُ لفظًا سُمِّي ذلك حَذْفًا.
الرابع: أن يكونَ الفاعلُ ضميرَ فتى. إلخ. امس: أن يكون الفاعلُ ضميرَ إبراهيم. وهذان الوجهان يؤيِّدان ما ذكَرْتُ من أنه قد يكون مرادُ القائلِ بحذفِ الفاعل إنما هو الإِضمارُ. السادس: أنَّ فَعَلَه ليس فعلًا، بل الفاء حرف عطف دخلَتْ على عَلَّ التي أصلها لعل حرفَ تَرَجّ. وحَذْفُ اللامِ الأولى ثابتٌ، فصار اللفظُ فَعَلَّه أي فَلَعَلَّه، ثم حُذفت اللامُ الأولى وخُفِّفت الثانيةُ. وهذا يُعْزَى للفراء. وهو قولٌ مرغوبٌ عنه وقد اسْتَدَلَّ على مذهبِه بقراءةِ ابنِ السَّمَيْفَع فَعَلَّه بتشديدِ اللام وهذه شاذَّةٌ، لا يُرْجَعُ بالقراءة المشهورة إليها، وكأن الذي حَمَلَهم على هذا خفاءُ وجهِ صدورِ هذا الكلامِ من النبيِّ عليه السلام.
قوله: {إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ} جوابُه محذوفٌ لدلالة ما قبلَه. ومَنْ يجوِّزْ التقديمَ يجعلْ {فسألوهم} هو الجوابَ.
{ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)}.
قوله: {ثُمَّ نُكِسُواْ على رُءُوسِهِمْ}: قرأ العامَّةُ: {نُكِسُوا} مبنيًا للمفعول مخففةَ الكاف أي: نَكَسَهم اللهُ أو خَجَّلهم. و{على رُءُوسِهِمْ} حالٌ أي: كائنين على رؤوسهم. ويجوز أن يتعلَّق بنفسِ الفعل.
والنَّكْسُ والتَّنْكيسُ: القَلْبُ يقال: نَكَس رأسَه ونَكَّسه مخففًا ومشددًا أي: طَأطأه حتى صار أعلاه أسفله. وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وابن الجارود وابن مقسم {نُكِّسوا} بالتشديد. وقد تقدَّم أنه لغةٌ في المخفف، فليس التشديدُ لتعديةٍ ولا تكثيرٍ. وقرأ رضوان بن عبد المعبود {نَكَسُوا} مخففًا مبنيًا للفاعل، وعلى هذا فالمفعولُ محذوفٌ تقديرُه: نَكَسوا أنفسَهم على رؤوسهم.
قولهم: {لَقَدْ عَلِمْتَ} هذه الجملةُ جوابُ قسمٍ محذوفٍ، والقسمُ وجوابُه معمولان لقولٍ مضمرٍ، وذلك القولُ المضمرُ حالٌ من مرفوع {نُكِسُوا} أي: نُكِسُوا قائلين واللهِ لقد علمتَ.
قوله: {مَا هؤلاء يَنطِقُونَ} يجوز أَنْ تكونَ ما هذه حجازيةً فيكونَ {هؤلاء} اسمَها و{يَنْطِقون} في محلّ نصب خبرَها، أو تميميةً فلا عملَ لها. والجملةُ المنفيةُ بأَسْرِها سادَّةٌ مَسَدَّ المفعولَيْنِ، إن كانت عَلِمْتَ على بابِها، ومَسَدَّ واحدٍ إن كانَتْ عِرْفانية.
{أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)}.
وقد تقدَّم الكلامُ على {أف} في سبحان ولغاتها. واللام في {لكم} وفي {لِما} لامُ التبيينِ أي: التأفيفُ لكم لا لغيرِكم وهي نظيرةُ {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)}.
فقال: شرٌّ وأمَرُّ.. كيف تستحق أمثالُ هذه... العبادة؟!
فلمَا توجَّهَتْ الحجةُ عليهم ولم يكن لهم جواب دَاخَلَتْهم الأنْفَةُ والحمية فقالوا: سبيلنا أن نقتلَه شَرَّ قتله، وأن نعامِلَه بما يخوفنا به من النار. فقالوا: {ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ في الجَحِيمِ} [الصافات: 97]، فلما رموه في النار... {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إبراهيم (69)}. اهـ.

.تفسير الآيات (68- 73):

قوله تعالى: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إبراهيم (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأخسرين (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأرض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما وصل بهم إلى هذا الحد من البيان، فدحضت حجتهم، وبان عجزهم، وظهر الحق، واندفع الباطل، فانقطعوا انقطاعًا فاضحًا، أشار سبحانه إلى الإخبار عن ذلك بقوله استئنافًا: {قالوا} عادلين إلى العناد واستعمال القوة الحسية: {حرقوه} بالنار لتكونوا قد فعلتم فيه فعلًا هو أعظم مما فعل بآلهتكم {وانصروا آلهتكم} التي جعلها جذاذًا؛ وأشاء التعبير- بأداة الشك وفعل الكون واسم الفاعل إلى أن أذاه لا يسوغ، وليس الحامل عليه إلا حيلة غلبت على الفطرة الأولى السليمة- في قوله: {إن كنتم فاعلين} أي النصرة لها، فإن النار أهول المعاقبات وأفظعها، فهي أزجر لمن يريد مثل هذا الفعل، واتركوا الجدال فإنه يورث ضد ما تريدون، ويؤثر عكس ما تطلبون، فعزموا على ذلك فجمعوا الحطب شهرًا ووضعوه في جوبة من الأرض أحاطوا بها جدارًا كما في الصافات حتى كان ذلك الحطب كالجبل، وأضرموا فيه النار حتى كان على صفة لم يوجد في الأرض قط مثلها، حتى إن كان الطائر ليمر بها في الجو فيحترق، ثم ألقوه فيها بالمنجنيق فقال: حسبي الله ونعم الوكيل- أخرجه البخاري عن ابن عباس- رضى الله عنهما-، ولأبي يعلى عن أبي هريرة- رضى الله عنهم- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار قال: اللهم! إنك في السماء واحد وأنا في الأرض واحد، عبدك» وقال البغوي: أتاه خازن المياه فقال: إن أردت أخمدت النار، وأتاه خازن الرياح فقال: إن شئت طيرت النار في الهواء، فقال إبراهيم: لا حاجة لي إليكم حسبي الله ونعم الوكيل.
فأراد الله الذي له القوة جميعًا سلامته منها، فعبر عن ذلك بقوله سبحانه استئنافًا لجواب من زاد تشوفه إلى ما كان من أمره بعد الإلقاء فيها: {قلنا} أي بعظمتنا {يا نار كوني} بإرادتنا التي لا يتخلف عنها مراد {بردًا}.
ولما كان البرد قد يكون ضارًا قال: {وسلامًا} فكانت كذلك، فلم تحرق منه إلا وثاقه.
ولما كان المراد اختصاصه عليه السلام بهذا قيده به، ولما كان المراد حياته ولابد، عبر بحرف الاستعلاء فقال: {على إبراهيم} أي فكان ما أردنا من سلامته، وروى البغوي من طريق البخاري عن أم شريك- رضى الله عنهم- «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وقال: كان ينفخ النار على إبراهيم».
وقال ابن كثير: وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عبيد الله بن أخي وهب ثنا عمي عن جرير بن حازم أن نافعًا حدثه قال: حدثتني مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومي قالت: دخلت على عائشة رضى الله عنها فرأيت في بيتها رمحًا فقلت: يا أم المؤمنين! ما تصنعين بهذا الرمح؟ فقالت: نقتل به هذه الأوزاغ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا تطفىء عنه غير الوزغ، فإنه كان ينفخ على إبراهيم فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله».
ولما قدم ما نبه على شدة الاهتمام به لإفهامه أنه حكم بسلامته من كيدهم عند همهم به فكيف بما بعده! قال عاطفًا على ما تقديره: فألقوه فيها: {وأرادوا به كيدًا} أي مكرًا بإضراره بالنار وبعد خروجه منها {فجعلناهم} أي بما لنا من الجلال.
ولما كانوا قد أرادوا بما صنعوا له من العذاب أن يكون أسفل منهم أهل ذلك الجمع، وكان السياق لتحقيق أمر الساعة الذي هو مقصود السورة، وكان الصائر إليها المفرط فيها بالتكذيب بها قد خسر خسارة لا جبر لها لفوات محل الاستدراك، قال: {الأخسرين} لأن فضيحتهم في الدنيا الموجبة للعذاب في الأخرى كانت بنفس فعلهم الذي كادوه به، ولم يذكر سبحانه شعيبًا عليه السلام مع أنه سخر له النار في يوم الظلة فأحرقت عصاهـ. لأن فعل النار بقومه كان على ما هو المعهود من أمرها بخلاف فعلها مع إبراهيم عليه السلام، فإنه على خلاف المعتاد، وقد وقع مثل هذا لبعض أتباع نبينًا- صلى الله عليه وسلم-، وهو أبو مسلم الخولاني، طلبه الأسود العنسي لما ادعى النبوة فقال له: أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع، قال: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم! فأمر بنار فألقي فيها فوجدوه قائمًا يصلي فيها وقد صارت عليه بردًا وسلامًا، وقدم المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فأجلسه عمر بينه وبين أبي بكر- رضى الله عنهما- وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله.
ولما كان إنجاؤه- وهو وحده- ممن أرادوا به هذا الأمر العظيم من العجائب فكيف إذا انضم إليه غيره، ولم يكن في ذلك الغير آية تمنعهم عنه كما كان في إبراهيم عليه السلام، قال: {ونجيناه} أي بعظمتنا {ولوطًا} أي ابن أخيه وصديقه لكونه آمن به وصدقه، من بلادهما كوثى بلاد العراق، منتهيين إلى الأرض المقدسة، ولعله عبر بإلى الدالة على تضمين انتهى للدلالة على أن هناك غاية طويلة، فإنهما خرجا من كوثى من أرض العراق إلى حران ثم من حران {إلى الأرض} المقدسة {التي باركنا فيها} بأن ملأناها من الخيرات الدنيوية والأخروية بما فيها من المياه التي بها حياة كل شيء من الأشجار والزروع وغيرها، وما ظهر منها من الأنبياء عليهم السلام الذي ملؤوا الأرض نورًا {للعالمين} كما أنجيناك أنت يا أشرف أولاده وصديقك أبا بكر- رضى الله عنهم- إلى طيبة التي شرفناها بك، وبثثنا من أنوارها في أرجاء الأرض وأقطارها ما لم نبث مثله قط، وباركنا فيها للعالمين، بالخلفاء الراشدين وغيرهم من العلماء والصالحين، الذين انبثت خيراتهم العلمية والعملية والمالية في جميع الأقطار.
ولما أولد له في حال شيخوخته وعجز امرأته مع كونها عقيمًا، وكان ذلك دالًا على الاقتدار على البعث الذي السياق كله له، قال: {ووهبنا} دالًا على ذلك بنون العظمة {له إسحاق} أي من شبه العدم، وترك شرح حاله لتقدمه، أي فكان ذلك دالًا على اقتدارنا على ما نريد لاسيما من إعادة الخلق في يوم الحساب؛ ولما كان قد يظن أنه- لتولده بين شيخ فانٍ وعجوز مع يأسها عقيم- كان على حالة من الضعف، لا يولد لمثله معها، نفى ذلك بقوله: {ويعقوب نافلة} أي ولد إسحاق زيادة على ما دعا به إبراهيم عليهما السلام؛ ثم نمى سبحانه أولاد يعقوب- وهو إسرائيل- وذرياتهم إلى أن ساموا النجوم عدة، وباروا الجبال شدة {وكلًا} من هؤلاء الأربعة؛ وعظم رتبتهم بقوله: {جعلنا صالحين} أي مهيئين- لطاعتهم لله- لكل ما يريدونه أو يرادون له أو يراد منهم، وهذا إشارة إلى أن العاصي هالك، لا يصلح لشيء وإن طال عمره، واشتد أمره، لأن العبرة بالعاقبة.
ولما ذكر أنه أعطاهم رتبة الصلاح في أنفسهم، ذكر أنه أعطاهم رتبة الإصلاح لغيرهم، فقال معظمًا لإمامتهم: {وجعلناهم أئمة} أي أعلامًا ومقاصد يقتدى بهم في الدين بما أعطاهم من النبوة.
ولما كان الإمام قد يدعو إلى الردى، ويصد عن الهدى، إذا كانت إمامته ظاهرة لا يصحبها صلاح باطن، احترز عن ذلك بقوله: {يهدون} أي يدعون إلينا من وفقناه للهداية {بأمرنا} وهو الروح الذي هو العمل المؤسس على العلم بإخبار الملائكة به عنا، ولإفهام ذلك عطف عليه قوله معظمًا لوحيه إليهم: {وأوحينا إليهم} أي أيضًا {فعل} أي أن يفعلوا {الخيرات} كلها وهي شرائع الدين، ولعله عبر بالفعل دلالة على أنهم امتثلوا كل ما أوحي إليهم.
ولما كانت الصلاة أم الخيرات، خصها بالذكر فقال: {وإقام الصلاة} قال الزجاج: الإضافة عوض عن تاء التأنيث.
يعني فيكون من الغالب لا من القليل، وكان سر الحذف تعظيم الصلاة لأنها مع نقصها عن صلاتنا- لما أشار إليه الحذف- بهذه المنزلة من العظمة فما الظن بصلاتنا.
ولما كانت الصلاة بين العبد والحق، وكان روحها الإعراض عن كل فان، عطف عليها قوله: {وإيتاء الزكاة} أي التي هي مع كونها إحسانًا إلى الخلق بما دعت الصلاة إلى الانسلاخ عنه من الدنيا، ففعلوا ما أوحيناه إليهم {وكانوا لنا} دائمًا جبلة وطبعًا {عابدين} أي فاعلين لكل ما يأمرون به غيرهم، فعل العبد مع مولاه من كل ما يجب له من الخدمة، ويحق له من التعظيم والحرمة. اهـ.